مازن درويش : عن أي إصلاح يتحدثون؟!! النظام سقط بالمعنى السياسي والأخلاقي والوطني
كلنا شركاء- الشرق:
مازن درويش رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير للشرق:
عن أي إصلاح يتحدثون؟!!
النظام سقط بالمعنى السياسي والأخلاقي والوطني
عناوين فرعية
اتهامات السلطة لنا مرتبطة بموقفنا من انتهاكاتها
مشكلة السلطة منذ البداية هي عملية إنكار ما هو قائم
السلطات السورية تعتبر أي شخص له وجهة نظر مختلفة خائناً أو عميلاً أو مندساً
المصادر الممولة لمؤسسات السيدة أسماء هي ذاتها تمولنا، لماذا هي حالة وطنية ونحن حالة خيانة
القانون السوري لا يلحظ وجود المجتمع المدني ويعتبر أنه جمعيات خيرية فقط
الحكومة تعتبرنا شرعيين عندما يناسبها عملنا وخونة وعملاء عندما لا يناسبها
قناة الدنيا شهَّرت بي وعادت لتقول إنني معارض وطني
يفترض بالإعلام السوري أن يكون إعلام دولة لا سلطة
الإعلام السوري اصطف مع النظام وروج له وخوَّن الآخرين
وصَّفنا الإعلام السوري خلال الثورة أنه إعلام ضد المواطن
الإعلام لم يقم بدوره لا مهنياً ولا وطنياً
قانون الإعلام الجديد لم يقدم جديداً لتحرير الإعلام من سيطرة الدولة
قانون الإعلام يتناقض مع قانون العقوبات
قانون العقوبات لم يزل سيفاً مسلطاً على الصحفي
المشكلة في سورية هي في بنية مؤسسات الدولة التي أصبحت خارج التاريخ
الدولة السورية مبنية على مطلق صلاحيات أمنية
إذا استمرت السلطة في خيارها الأمني فنحن أمام كارثة
مفتاح الحل ومفتاح التفجير بيد السلطة
لم أشارك في المؤتمر التشاوري لأن الحوار من أجل الحوار هو استخفاف بعقول الناس
دُعيت لعضوية المجلس الوطني واعتذرت لأنني لا أصلح للعمل الحزبي والسياسي
حوار: معن عاقل – الشرق السعودية
يعرف السوريون جيداً أنهم يعيشون في دولة أمنية، أي في أمن دولة، فلا السلطة تستطيع فيها أن تبني مؤسسات رسمية حقيقية، لأن السلطات جميعاً مرتبطة مباشرة بالسلطة التنفيذية وهذه الأخيرة مرتبطة مباشرة بالأجهزة الأمنية، وليس أدل على ذلك ما قاله عضو في مجلس الشعب أثناء خطاب الرئيس بشار الأسد الأول في الأزمة السورية ” يا سيادة الرئيس الوطن العربي صغير عليك ويجب أن تقود العالم”، ولا المجتمع استطاع أن يفرز منظماته الأهلية والمدنية والحقوقية، لدرجة أن الأمن ابتكر تهمة جاهزة بحق الناشطين خلال السنوات العشر المنصرمة، وهي تهمة نصير المجتمع المدني، وأكثر من ذلك، كان أدنى نشاط مدني أو أهلي يحتاج إلى سلسلة موافقات على رأسها الموافقة الأمنية، حتى لو تعلق الأمر باتفاق بضعة نسوة على تأسيس جمعية هدفها الوحيد تنظيف الحي الذي يقطنونه.
في هذه البيئة بالتحديد تشكلت خارج قانون السلطة الاستبدادية الأمنية مجموعة منظمات مدنية، قيل الكثير في نقدها، البعض من منطلق الحرص والتقويم والبعض الآخر من منطلق التجني، عملت وحاولت ترسيخ إرث للحراك المدني في سورية، هل نجحت؟ أم فشلت؟ أم لم يكن بالإمكان أفضل مما كان؟
في هذا الحوار مع رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير الناشط مازن درويش نحاول الإجابة على هذه الأسئلة.
– ثمة انتقادات كثيرة توجه للجمعيات والمنظمات المدنية في سورية، أهم الانتقادات أنها سياسية أكثر منها مدنية، أي مسيَّسة.
درويش: المؤسسات المدنية ليست أحزاب سياسية ولا تعمل في السياسة بالمعنى التنظيمي، لا تدخل انتخابات ولا تنافس على سلطة، لكن حرية الرأي هي سياسة وحرية الأحزاب أيضاً والديمقراطية، ولا يمكن فصل قضايا تنمية الإنسان بالمعنى الفكري والمعنى الديمقراطي عن السياسة، هذا هو الخيط الرفيع بين المؤسسات المدنية والسياسة، وهو ما يخلق الالتباس، صحيح أنه يجب على هذه المؤسسات ألا تدخل في العمل السياسي وألا تدخل مع طرف سياسي كحالة حزبية، لكن لا يمكنها عدم مقاربة السياسة نهائياً، فمثلاً المنظمات التي ترصد انتهاكات حقوق الإنسان، لابد أن تراقب الحقوق السياسية وحرية العمل السياسية وحرية تأسيس الأحزاب السياسية، لأن الحقوق السياسية هي جزء من حقوق الإنسان، وأظن أن سورية هي البلد الوحيد الذي نواجه فيه هذه المشكلة لأنه يفتقد للحياة السياسية وبالتالي أي نشاط وأي عمل خارج الدولة وخارج منظومة السلطة هو عمل سياسي معارض، إذاً المشكلة في تركيبة الدولة والسلطة السورية.
– البعض يقول إن هذه المؤسسات المدنية عبارة عن دكاكين تخضع في تأسيسها وتكوينها لأمزجة أفراد وأحياناً فرد واحد، ولم تستطع تشكيل كادر ولا أن ترقى إلى مستوى مؤسسات لها وزن.
درويش: أجل هناك الكثير من المنظمات لم تستطع أن تتحول في سورية إلى مؤسسات، وأظن أن هذا ذنبها بالدرجة الأولى وذنب القائمين عليها، أنا شخصياً أعرف أكثر من حالة لديها رغبة صادقة أن تصبح مؤسساتهم في سورية، مؤسسات مهنية متخصصة، لكن وجودها في بيئة معادية حال دون ذلك، حيث السلطات تمنع الترخيص وتمنع تشكلها القانوني، فالقانون هوالذي يحولها من نشاط أفراد إلى عمل مؤسساتي، وهذ هو امتياز مركزنا أنه حصل على شرعية قانونية من خلال التسجيل في فرنسا وهذا ما سمح لنا، بوجود الرغبة، بالتحول إلى مؤسسة، وعندما نُمنع إعطاء صيغة قانونية لهذه المؤسسات لا نستطيع محاكمتها على بقائها مشاريع فردية.
– كيف تقيم نشاط مؤسستكم خلال الثورة السورية، ماذا فعلتم على الأرض؟
درويش: مع بداية الثورة أصبح الإطار النظري نوعاً من الترف، فالناس تعاني عنفاً رهيباً وتعسفاً وقتلاً واعتقالات وانتهاكات فظيعة، لم نر أن الوقت مناسب للتحدث بمعايير ومهنية، أي عن قانون فيه مادة غير جيدة أو آخر لا يلائم الحريات، تركز عملنا على قضيتين: الأولى إفساح مجال للناس للتعبير عن آرائهم في ظل التعتيم الإعلامي، والثانية تتعلق بعمليات الاعتقال ورصد وتوثيق الانتهاكات التي تحصل.
– هل استطعتم تشكيل أدوات رقابية تساعدكم في تحقيق أهدافكم؟
درويش: استطعنا في حدود معينة، مثلاً استطعنا إصدار تقرير عن الصحفيين والمدونين الذين اعتقلوا خلال ثمانية أشهر من عمر الثورة، استطعنا رصد عمليات توزيع ومنع توزيع المطبوعات في سورية، رصدنا عملية مراقبة الإنترنت وحجب المواقع وعمليات اصطياد الناشطين من خلال الإنترنت، إضافة لعملنا على التوثيق بشكل عام، وأيضاً رصدنا الانتهاكات الحاصلة على المتظاهرين السلميين والاعتقالات وعمليات القتل وانتهاكات حرية التظاهر، ولكن قدر الإمكان.
– وجهت السلطة لكم اتهامات بأنكم عملاء للخارج وممولون منه وأشياء أخرى من هذا القبيل رداً على نشاطكم؟
درويش: هذه الاتهامات ليست مرتبطة بالدرجة الأولى بنشاطنا بقدر ما هي مرتبطة بموقفنا من انتهاكات تمارسها السلطة، في بداية الأحداث استخدمت السلطة كليشة المندسيين والمتآمرين وعملاء بندر وعملاء لجهات أجنبية، وكل متظاهر يأخذ ألفي ليرة للتظاهر ومؤسسات إعلامية كاذبة ومضللة ومجسمات تجهز في دول أخرى على أنها مظاهرات في سورية، المشكلة منذ البداية هي في عملية الإنكار، نحن نعيش الواقع قبل الثورة، وأنا أحد الأشخاص لم أفاجأ بقيامها في سورية، بالعكس، كنت مستغرباً لعدم انتفاض الناس على هذا الواقع وهذه الدولة الأمنية، لأنهما أصبحا خارج التاريخ وغير قابلين للاستمرار. ما حدث في سورية أن هذه المنظومة السياسية بدل أن تحاول التكيف والإسراع بإعادة صياغة الدولة السورية بما يلائم العصر ويحترم حرية وكرامة المواطن السوري، ذهبت باتجاه إنكار ما هو قائم وأيضاً باتجاه تخوين المواطنين السوريين، أنا كنت مع المعتصمين أمام وزارة الداخلية بتاريخ 16/3/2011 وكنا نطالب بإطلاق سراح المعتقلين، في اليوم التالي كتبت جريدة الوطن أن هناك عدد من الأهالي كانوا يراجعون وزارة الداخلية ووجد بينهم بعض المندسين منهم رياض سيف ومازن درويش وغيرهم، إذاً، هؤلاء مندسون ولا علاقة لهم بقضية الاعتقال السياسي ولا بما يحدث في سورية، ولا بالحريات المدنية، نحن مندسون وطارئون على الساحة السياسية، تخيل أن تكون مواطناً سورياً مندساً في وطنك، وعلى هذا الأساس دخلت إلى الفيسبوك وأنشأت مجموعة اسمها أنا مندس أعلنت فيها أنني مندس بقضايا وطني الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، شاء من شاء وأبى من أبى. على أي حال منذ زمن طويل تعتبر السلطات السورية أي شخص له وجهة نظر مختلفة إما عميلاً أو خائناً أو مندساً، والمصادر الأجنبية التي تمول هذه المؤسسات هي ذاتها التي تمول مؤسسات تشرف عليها السيدة الأولى مثل روافد وفردوس ومسار، لماذا هذه المؤسسات حالة وطنية والمركز السوري لحرية التعبير والإعلام هو حالة خيانة؟
– يردون عليك ببساطة أن المركز غير مرخص.
درويش: المركز مرخص ويمكنك التأكد من ذلك على الإنترنت وهو أول مؤسسة في سورية يحصل على الصفة الاستشارية في الأمم المتحدة.
– أقصد غير مرخص وفق القانون السوري.
درويش: إذا كان القانون السوري الموجود منذ الأربعينيات لا يلحظ وجود المجتمع المدني ويتعاطى معه على أنه جمعيات خيرية فقط، فهذه مشكلته وليست مشكلتنا، وإذا كانت السلطات السورية تسيطر على القانون فعدم الترخيص لا يعني عدم المشروعية، ومع ذلك، نحن غير المرخصين أقمنا أكثر من نشاط بموافقة وزارة الثقافة السورية، رخصت لنا ندوة عن حرية الصحافة ومسرحية مع المركز الثقافي الدنماركي، عندما يكون عملنا وأداؤنا يناسب الحكومة يعتبروننا شرعيين وعندما لا يناسبها يعتبروننا خونة وعملاء.
– كأن قناة الدنيا نشرت وبثت أشياء تتعلق بك شخصياً.
درويش: قناة الدنيا نشرت عن الكثيرين، نشرت أنني راسب بالثانوية العامة وأدعي أنني خريج جامعي ومتزوج من يهودية فرنسية وأنني كنت أعرف بموعد عملية بندر ولهذا أخرجت أولادي من سورية قبل الأحداث بأيام، والتلفزيون السوري أعاد نشر المعلومات المتعلقة بالشبكة السورية لحقوق الإنسان، إضافة إلى جيش من متملقي السلطة الذين كتبوا مقالات ونشروا أشياء عديدة، وفيما بعد هم أنفسهم تحدثوا أنني معارض وطني وشخصية وطنية عندما عارضت تسلح الثورة والتدخل الخارجي.
– كرئيس مركز الإعلام وحرية التعبير لماذا لا تعتبر ما يقوله الإعلام السوري يندرج تحت حرية الرأي والتعبير؟
درويش: نحن كمركز أدنا الانتهاكات التي تقع على الصحفيين المعارضين وأيضاً الانتهاكات التي وقعت على صحفيي السلطة ورأيها، نحن نتعاطى بشكل مهني، المشكلة الأساسية مع الإعلام الحكومي أن المفترض به أن يكون إعلام الدولة السورية وليس إعلام النظام الحاكم أو السلطة، كان يجب أن يكون مستقلاً يظهر وجهات النظر والحقيقة والاختلاف، وللأسف، الأجهزة الإعلامية اصطفت مع النظام وأخذت رأيه وروجت لروايته وخونت الآخرين.
– يعني ما يقوم به الإعلام السوري لا يندرج تحت حرية التعبير وإنما يدخل إطار تحريف وتشويه الوقائع.
درويش: إذا كان من المهنية أن نسلم بما قالت به مديرة إحدى القنوات السورية ريم حداد أن اللاجئين السوريين في تركيا يقومون بزيارة أقاربهم، فنحن غير مهنيين، إذا كانت المهنية تقتضي القول بأنه لا يحدث شيء في سورية وأن هذا كله فبركات إعلامية، فنحن غير مهنيين، وإذا كانت المهنية تقتضي القول أن أجهزة الأمن لم تستخدم العنف والرصاص الحي ضد المتاهرين فنحن غير مهنيين.
– هل أصدرتم أي تقيم للإعلام السوري بعد بداية الثورة.
درويش: صدر تقريرنا في 3/5/2011 أي بعد مرور نحو شهرين على بداية الثورة، أسمينا فيه الإعلام بأنه إعلام ضد المواطنين، لأن الإعلام الممول من دافع الضرائب ويرتبط بالدولة وليس بالسلطة يكون عادة مع متطلبات المواطن، وجاءت تسمية إعلام ضد المواطن لتوصيف حالة هذا الإعلام، مرة أخرى أقول إن هذا الإعلام أدخل نفسه كطرف ولم يعد ممكناً إلا أن يكون طرفاً، لم يقم بدوره المطلوب لا بالمعنى المهني ولا الوطني، ولم أكن أتخيل كمواطن سوري يراقبه أن أسمع في يوم من الأيام على تلفزيون وطني طلبات بسحق المتظاهرين وقتلهم، وما حصل في الإعلام خلال الثورة أعقد من مسألة مهنية.
– هل وثَّقتم هذه الحالات؟
درويش: وثقنا حالات نوعية تعبر عن هذه الممارسات.
– بادرت السلطة إلى مجموعة إصلاحات قانون إعلام وأحزاب وتعديل دستور لكنها تقول أنها بحاجة للوقت.
درويش: إذا عدنا إلى قانون الإعلام عام 2001 وكان اسمه قانون المطبوعات نجد أن مشكلته هي في سيطرة الدولة على الإعلام من خلال التحكم بالترخيص والتوزيع والإعلانات والإجراءات الإدارية ومحاربة الحصول على المعلومة، ولنر كيف تعاطى القانون الجديد مع هذه المشاكل.
– حسبما فهمت، أنت كنت طرفاً في مناقشة القانون الجديد.
درويش: غير صحيح، لم أكن عضواً في اللجنة، وفقط طلبت استشارتي مرة واحدة في قضايا معينة فحضرت وأبديت رأيي وتحديداً في قضية التراخيص وقضية المجلس الأعلى للإعلام، ولم أحضر كل الاجتماعات، انظر كيف تعاطى القانون الجديد مع قضية تحرير الإعلام من سيطرة الدولة، النقطة الأساسية هي مشكلة الترخيص المتعلق بالسلطة السياسية، فمن ترضى عنه السلطة تمنحه ترخيصاً، وعندما نتقدم بطلب ترخيص إلى وزارة الإعلام ترسله إلى مجلس الوزراء وهذا الأخير غير ملزم بإظهار أسباب عدم الموافقة وغير ملزم بتوقيت معين، وإذا أصدر قراره سلباً لا يمكن الاعتراض أمام أي جهة قضائية، وجاء القانون الجديد ليقول أنه يفترض ألا يتحكم مجلس الوزراء بالترخيص وهذا الأخير يُمنح من المجلس الأعلى للإعلام، لكن يشترط مصادقة مجلس الوزراء، وهذه المصادقة أيضاً لا تتطلب توضيح أسباب ولا تشترط فترة زمنية ولا يستطيع الحاصل على الترخيص من المجلس الأعلى للإعلام ولم يصادق عليه رئيس مجلس الوزراء أن يشتكي لأي جهة قانونية، إذاً عن أي إصلاح يتحدثون؟! هذه الإصلاحات والقوانين التي صدرت لم تقنع أحداً.
– على مستوى حرية الصحفيين هل كان القانون الجديد متطوراً عن القديم؟
درويش: مسألة الترخيص هي الجوهرية وأساس حرية وديمقراطية الإعلام، في القضايا الأخرى هناك كلام جميل وغزل بالصحافة وحرية الصحفي وحقه بالحصول على المعلومة، لكن على الأرض لم يتغير شيء، لا تزال محظورات النشر هي نفسها وصورة طبق الأصل عن القانون القديم، الغرامات المالية زادت أضعافاً، يمنع حبس الصحفي بموجب القانون الجديد لكن يجوز محاكمته بموجب قانون العقوبات العام، وفي هذا الأخير ثمة مواد تعاقب على نشر ما يعتبر مسيئاً للدولة، وهذا يتناقض مع قانون الإعلام الجديد، حيث يمكنهم حبس الصحفي على أساس قانون العقوبات العام وفي الوقت نفسه تغريمه بمبالغ ضخمة على أساس قانون الإعلام الجديد، فمثلاً نشر أنباء كاذبة ونشر أنباء تؤدي إلى وهن نفسية الأمة ونشر أنباء تؤدي إلى إضعاف الشعور القومي، هذه كلها مواد قانونية تعتبر جنايات ولا تزال سيفاً مسلطاً على الصحفي.
– هل وجه المركز هذه الانتقادات على القانون الجديد للسلطات؟
درويش: في عام 2007 وجهنا رسالة عندما جاء في خطاب القسم أن وزارة الإعلام أنهت إعداد قانون جديد للإعلام وذكرنا فيها كل ملاحظاتنا، وهذه الملاحظات موجودة في كل تقرير سنوي نصدره.
– قصدت أن قانون الإعلام الجديد صدر تحت ضغط شعبي وكان يمكنكم ممارسة ضغط ما على السلطة.
درويش: المركز لم يتأخر عندما طلبت اللجنة استشارته، وعندما صدر القانون قلنا إن المجلس الأعلى للإعلام لا يجوز أن تختار رئاسة الجمهورية جميع أعضائه أو يشكل من قبلها فهذا يُفقد الإعلام استقلاليته، تكلمنا عن الترخيص ومحظورات النشر وقانون العقوبات.
– هل ناقشتم مسألة تناقض القوانين مع المبادئ العامة للدستور ومواده؟
درويش: المشكلة في سورية أعقد من مسألة تعديل أو تطوير قانون، المشكلة أن هناك بنية ومؤسسات دولة غير قابلة للاستمرار والحياة وأصبحت خارج التاريخ، وهذه البنية تُنتج الأزمات والمآزق، إذاً يجب تغيير بنية الدولة بدءً من العقد الاجتماعي إلى الدستور إلى فصل السلطات إلى الحريات، هناك مواد في الدستور تتحدث عن حرية المواطن بالتنقل لكن عشرات آلاف السوريين ممنوعون من السفر دون أي موجب أو قرار قضائي أو قانوني، فقط بقرارات أمنية، الدولة مبنية على مطلق الصلاحيات الأمنية.
– ما موقف المركز من مسألة المطالبة بحماية المدنيين؟
درويش: المركز مع كل الأدوات الدولية لحماية المدنيين، أولاً مع فتح البلاد أمام الصحافة الأجنبية والمستقلة، القريبة من النظام والبعيدة عنه، مع وجود مراقبين دوليين، مع دخول منظمات NGO وكل المنظمات العربية والدولية لمراقبة الأوضاع.
– في بداية حديثنا قلت إنك ضد أي تدخل عسكري أجنبي في سورية، كيف السبيل لحماية التظاهر السلمي للسوريين في حال استمر تعنت السلطة؟
درويش: قبل بداية الثورة السورية كان كثيرون يتخوفون من الوصول إلى حالة انفجار، ويبدو أن السلطة كانت تراهن على أن المواطن عديم الإحساس، بينما كنا نراه من لحم ودم واحتياجات وحقوق وإذا لم يحصل عليها بشكل طبيعي سينتهي إلى الثورة، إذاً مفتاح الحل ومفتاح التفجير بيد السلطات السورية، إذا استمرت في خيارها الأمني فنحن أمام كارثة وإذا قبلت واعترفت بحقوق المواطن ووافقت على مبدأ تداول السلطة سيكون هناك كلام آخر، هذا الأمر منوط بالسلطة، قد تقود البلاد إلى كارثة أو إلى تدخل عسكري أو إلى حرب أهلية والاحتمالات مفتوحة، أعتقد يجب توجيه هذا السؤال إلى السلطات السورية.
– لكن هناك مطالب شعبية بالتدخل الدولي والحماية الدولية وهناك مجلس وطني في الخارج يطالب أيضاً بذلك.
درويش: هذه المطالب هي رد فعل وليست فعل، السوريون لم يخرجوا في البداية لمطالبة بحماية دولية، لكنهم طالبوا بها عندما استبيحت حياتهم وحقوقهم.
– السلطة أعلنت عن بدء حوار وعقدت مؤتمراً تشاورياً هل دعيتم إليه؟
درويش: لم ندع كمركز ولا بشكل شخصي وأعلنت في لقاء مباشر مع إذاعة شام إف إم قبل الحوار أنني لن أشارك في المؤتمر إذا دعيت إليه.
– لماذا؟
درويش: فكرة الحوار من أجل الحوار فيها استخفاف بعقول الناس.
– أليس هذا حكم مسبق؟
درويش: أبداً، إنه حكم مبني على وقائع مادية ملموسة، الحوار كان اسمه أساساً لقاءً تشاورياً، هو حوار للتشاور وليس لإنتاج شيء، هو لجنة من أجل لجنة، في عز الأزمة السورية تخرج علينا السلطة بلقاء تشاوري، لكن يفترض أن تكون له أرضية كي ينجح، وقف العنف، وقف القتل، إطلاق سراح المعتقلين، القبول بوجود أزمة، القبول بوجود مظاهرات ومتظاهرين ومطالب مشروعة، لكن لم يحدث شيء من ذلك، بل استمر العنف والقتل والاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري، إذاً هو ليس حكم مسبق إنما مبني على وقائع مادية، وها قد عُقد المؤتمر منذ أشهر ولم يخرج بنتيجة.
– هل دعيت لتكون عضواً في المجلس الوطني؟
درويش: دُعيت واعتذرت، ودعيت لأكثر من كيان سياسي واعتذرت، السبب أنني لا أصلح للعمل الحزبي والسياسي بالمعنى الشخصي، ولأنني أرى موقعي كشخص حقوقي ومستقل أفضل وأنفع بالمعنى العام.
– إلى أين تسير سورية برأيك؟
درويش: سورية في مخاض، وأظن أن النظام سقط بالمعنى السياسي والأخلاقي والوطني، والمخاض السوري هو فاتورة هذا السقوط، لم يعد بالإمكان العودة إلى ما قبل 15 آذار ولم يعد ممكناً التغاضي عن الأشهر التسعة الماضية ولم يعد ممكناً العودة إلى الدولة الأمنية والحزب القائد، سورية ذاهبة إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية وأتمنى بين اللحظة الحالية ولحظة الوصول للهدف أن تكون الفاتورة بأقل الخسائر والتكاليف، تلك التي تتحمل مسؤوليتها السلطة، سورية ذاهبة لإنهاء عقود طويلة من الاستبداد والديكتاتورية والانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية تحترم المواطنة وكرامة الإنسان.
لمحة عن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير
المركز السوري للإعلام وحرية التعبير يهتم بقضايا حقوق الإنسان عموماً ومتخصص في الحريات الصحفية وحرية التعبير، تأسس في فرنسا وتسجل فيها في مدينة الحريات عام 2004، وهو عضو في مجموعة شبكات دولية مثل مراسلين بلا حدود وغيرها، وفي عام 2011 حصل المركز على الصفة الاستشارية في الأمم المتحدة، وبدأ المركز نشاطه في سورية عام 2005 بشكل أقرب إلى منطق غض البصر أسوةً بجميع المنظمات الحقوقية في هذا البلد، لأن السلطات السورية رفضت الطلبات التي تقدم بها المركز للحصول على ترخيص، وفي عام 2006 أصدر المركز جريدة المشهد السوري الإلكترونية اليومية وأغلقت من قبل السلطات، وفي العام نفسه أيضاً أصدر المركز تقريراً عن حالة الحريات الصحفية في سورية بالتعاون مع اليونيسكو، وفي عام 2007 عمل المركز على مراقبة أداء الإعلام السوري خلال الانتخابات التشريعية والاستفتاء الرئاسي، إضافةً للتقرير السنوي الذي يصدر عن حالة الحريات الصحفية في سورية.
في عام 2009 أغلقت السلطات السورية المركز وصادرت جميع محتوياته.