ليلة خرج الكتاب المسجونون … من عتمة الذاكرة

ليلة خرج الكتاب المسجونون … من عتمة الذاكرة

صحيفة “الحياة”: غالية قباني
«ليلة الكاتب المسجون» عنوان الاحتفالية التي نظمتها «انكليش بن» المعنية بالكتاب المضطهدين في العالم، استعادت فيها ثلاثين عاماً من بدء هذا اليوم الخاص بسجناء الرأي من الكتاب، سواء كانوا صحافيين، شعراء، روائيين، أو فنانين سجلوا مواقفهم كتابة من خلال مذكرات أو سير ذاتية. لثلاثين عاماً من الدفاع عن هؤلاء الموزعين في أصقاع الأرض من دول غير ديموقراطية، الذين تعرضوا للاضطهاد والملاحقة وتقييد حرياتهم، فقط بسبب وقوفهم في وجه التسلط والفساد ودفاعهم عن حرية الرأي والتعبير.
لم تكن الاحتفالية خطابية من خلال إلقاء كلمات مملة، بل أحيتها فرقة مسرحية معنية بحقوق الإنسان أطلقت على نفسها اسم آكترز فور هيومان رايتس والإخراج لكريستينا بيكون، وتم إعداد النصوص بالتعاون ما بين الكاتبة المسرحية سونيا ليندن ومسؤولة الحملات في المنظمة (انكليش بن) كات لوكاس. والفكرة أن تؤخذ مقتطفات من نصوص لكتاب مضطهدين دافعت عنهم المنظمة خلال العقود الماضية، وأن تقدم في قراءة ممسرحة. ومنح العرض عنوان «مرحباً سيد ميللر، مرحباً سيد بنتر» في إشارة إلى كاتبين مسرحيين عملاقين هما الأميركي آرثر ميللر، والبريطاني هارولد بنتر، تراسلا أثناء حياتيهما مع واحد أو اكثر من هؤلاء الكتاب المضطهدين ووضعا تواقيعهما على مناشدات تطالب بالإفراج عنهم. من هؤلاء، الكاتب التركي علي طايغون (1943-2009) الذي اعتقل في الثمانينات بعد عودته من دراسة المسرح في الولايات المتحدة، بتهمة انضمامه إلى جمعية محظورة (جمعية السلام التركية). وعلى رغم أن القضاء غيّر الحكم لمصلحته، إلا أن الحكم العسكري في تركيا آنذاك لم يوافق على إطلاق سراحه. وبعد أن تبنت قضيته منظمات دولية خرج إلى الحرية عام 1993. وقد توفي قبل سنتين بسرطان الرئة.
ركزت المقاطع التي قرئت في الأمسية على الجوانب الإنسانية في نصوص ومراسلات هؤلاء الكتاب، مثل المعاناة من الأمراض وافتقاد الدواء، التعب النفسي واشتهاء الحرية وإطلاق السراح. تقول أليشيا بارتنوي وهي شاعرة ومترجمة وناشطة في مجال حقوق الإنسان من الأرجنتين في إحدى رسائلها التي سربتها من السجن: «لا أذكر وجه ابنتي الصغيرة التي لم أرها منذ شهرين». أليشيا اعتقلت في عام 1977 بعد وصول الحكم العسكري إلى سدة الحكم في بلادها، وكانت بين ثلاثين ألف شخص اختفوا بعد أن خطفوا من بيوتهم وأماكن أعمالهم وجامعاتهم، ثم وضعوا في معسكرات اعتقال تعرضوا فيها لأشكال من التعذيب الشديد. اليوم وبعد عشرين سنة في الاعتقال، تعيش أليشيا في الولايات المتحدة وتعمل أستاذة جامعية.
ومن خلال استعراض السير الذاتية التي عرضت ضوئياً على الشاشة الكبيرة في خلفية للقراءة المسرحية، تبين أن التهم الموجهة للكتاب المجرّمين لم تكن دوماً بسبب انهم ضد الحكومات والأنظمة مباشرة، بل منها من كان ضد قوى فساد ترتبط بمصالح مع تلك الأنظمة من غسيل أموال وتهريب مخدرات. الصحافية ليديا كاشو من المكسيك مثلاً، فضحت شبكة دعارة تستخدم الأطفال والفتيات الشابات المهاجرات في المكسيك، وقد اعتقلت في العام 2006 بعد إصدارها كتاباً موثقاً يفضح رموزاً من عالم السياسة والاقتصاد والرياضة، ثم أبعدت عن البلاد إلى الولايات المتحدة.
في الأمسية أيضاً كان هناك تركيز على معاناة ما بعد الإفراج عن الكتاب المعتقلين، كأن نقرأ عن المشكلات المالية مثل توفير أتعاب المحامين، أو صحية وعصبية مثل القلق وقلة النوم وتشوش الذاكرة، اضافة إلى استمرار الاضطهاد حتى بعد الإفراج عن المعتقلين، والذي يتجسد على شكل منع للسفر أو التعبير في وسائل الإعلام.

حضور العرب في الاحتفالية تمثل في الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي الذي سجن وعذب في الفترة من 1972 الى1980، وبعد الإفراج عنه تعرض لمضايقات دفعته للخروج إلى المنفى في فرنسا حيث يعيش منذ العام 1985. أما الكاتبة العربية الأخرى فهي البحرينية آيات القرمزي التي حكم عليها بالسجن سنة عام 2011 لقراءتها قصيدة تنتقد رأس الدولة، وقد افرج عنها بشروط لاحقاً.
كل من تحدثنا عنهم أو من لم نفعل لضيق الوقت باتوا الآن خارج الاعتقال، باستثناء الكاتب الصيني ليو تشيابو المعتقل منذ العام 2008 على خلفية إصداره وثيقة تطالب بإصلاحات سياسية، وبعد سنة على اعتقاله، حكم عليه بالسجن إحدى عشرة سنة. وقد حصل ليو تشيابو على جائزة نوبل للسلام في العام 2010 تقديراً لنضاله الطويل والسلمي دفاعاً عن حقوق الإنسان في الصين. ولأنه الوحيد من الكتاب الذي تبنتهم انكليش بن لا يزال سجين رأي، وقد وزعت على الحضور بطاقات بريدية لكتابة رسالة قصيرة ترسل إلى الكاتب عبر المنظمة لاحقاً. ووجدت نفسي أكتب له: «أعرف ماذا يعني أن تكون في السجن الآن. وقد صدف أن الحكومة التي سجنتك بسبب موقفك المناهض لقمع الحريات، تقف الآن مع النظام السوري في قمعه لشعبه. أتمنى لك الحرية باسم هذا الشعب».