فدوة سليمان تصنع التاريخ على ‘الجزيرة’ والمدونة علياء تعرّي السلطة والمجتمع معا!
صحيفة “القدس العربي”: حسام الدين محمد
يفاجأ مشاهدو الفضائيات بابتسامات غريبة تظهر فجأة على احناك المعلقين “الاعلاميين” الرسميين السوريين اثناء تلقيهم اسئلة المذيعين. الابتسامات مفصولة عن سياق ما يحصل، ومبعثها، كما انتبه كثيرون، هو انهم يتلقّون تعزيزات مكتوبة من شخص غامض في مكان التصوير. يقول العارفون بالشؤون السورية ان القائم على التعزيزات اللوجستية تلك هو عصام خليل، الذي يظهر احيانا كمعلق سوري، وهو عمليا، كابتن فريق المعلّقين، الذي يقوم بتدريبهم وتوضيبهم وسوقهم للمعركة ويرأس عمليا رئاسة الغرفة الاعلامية الرسمية الأولى، بينما يرأس الغرفة الثانية طالب ابراهيم. خليل مسؤول اذن عن الكتيبة الاعلامية الرسمية، والتي تضمّ لاعبين أساسيين وبعض اللعيبة الاحتياط اضافة الى كتيبة من عناصر “التدخل الخارجي” اللبنانيين. هناك “تمايزات” مهضومة بين افراد الفريق لكن ما يجمعهم في “زنقة” النقاش هي محاولة الاغتيال المعنوية لمن يقف بوجههم، والتهجم الشخصي على الطرف المعارض واتهامه بأبشع الصفات، وقد حظي زميلنا بسام جعارة على بعض هذا التهجم ليلة 12 نوفمبر في “بانوراما” بقناة “العربية” من شريف شحادة، الذي لم يكتف بشتمه ووصفه هو والمرحوم ابيه باللص، بل اضاف صفات أخرى بعد ان تكارم مخرج “بانوراما” ومذيعة الأخبار ريما صالحة، باغلاق الميكروفون لمنع جعارة من الرد وفتحه لاستكمال وصلة شحادة الطربية. من أسهل ما يكون عند جوقة حساسين خليل وطالب ابراهيم سوق أي اتهام، وكلما كان بذيئا وفاحشا كلما كان اللجوء اليه اسرع، فقد ولّى ذلك الزمن الذي كان الاكتفاء فيه بتهم العمالة والخيانة والتجسس فصرنا نسمع تهما بالقوادة والشذوذ الجنسي والدعارة، بحيث يبدو الاتهام باللصوصية نوعا من المديح! كتيبة الاغتيال المعنوي هذه، مثلها مثل شبيحة النظام السوري، ليس لديها أي حدّ قانوني او عرف او منطق اخلاقي يحدّ غلواءها ويوقف ايغالها في القصف المقذع للآخرين، وترك المجال مفتوحاً لأمثال شحادة هذا ليسيئوا لضيوفهم وللمشاهدين (كما حدث في حلقة “العربية” تلك) هو تعبير عن الركاكة المهنية، ان لم يكن شكلا من اشكال التواطؤ. عري سياسي
ممارسة التحقير الجنسي لأغراض سياسية أخذت دفعة قوية مع بُثّ خبر علياء ماجدة المهدي في اغلب المحطات العالمية والتي تناولت قصتها المدوّنات والتعليقات على الفيسبوك وتويتر وانهالت التعليقات على ما فعلته في مئات المطبوعات ووسائل النشر.
الصبية التي تكتب ‘مذكرات ثائرة’ قررت ان تنشر صورتها عارية في مدونتها وخلال ايام ارتفع الداخلون لمدونتها الى ما يقرب من مليون شخص. ولأن الكثيرين سيوجهون اتهاماتهم وتجريحاتهم لعلياء فقد ردّت عليهم ‘حاكموا الموديلز الذين عملوا في كلية الفنون الجميلة حتى اوائل السبعينات… اخلعوا ملابسكم وانظروا الى انفسكم في المرآة، واحرقوا اجسادكم التي تحتقرونها لتتخلصوا من عقدكم الجنسية الى الأبد، قبل ان توجهوا لي اهاناتكم العنصرية او تنكروا حريتي في التعبير’.
خطيب علياء اعتبر دخول مئات الالاف على مدونة صديقته نوعا من ‘الهوس الجنسي’ في مجتمع تعاني النساء فيه من اعلى نسبة للتحرش الجنسي في العالم.
جهات عديدة ربطت بين فعلة المدونة وجهة سياسية شبابية ناشطة (6 ابريل)، كشكل من اشكال التحريض السياسي الاخلاقي، الذي سبق ان قام به احد الممثل طلعت زكريا (الشهير بطبّاخ الرئيس) خلال ثورة 25 يناير التي اتهم فيها المتظاهرين بممارسة الجنس في ميدان التحرير.
علياء، ببساطة عرضها لعريها، تحاول بطريقتها الفجة رفع اسئلة تحرج المجتمع في أكثر مناطقه حرجا، وهي مثل الشباب الذين يوجهون صدورهم العارية للرصاص، تترك جسدها عاريا لا لتتلقى طلقات السلطة فحسب بل والمجتمع ايضا، وهو فعل قد يبدو جنوناً للكثيرين، لكن في الجنون، احيانا، الكثير الكثير من العقل!
ريما وفدوة
نشرة أخبار السادسة مساء يوم الاثنين 7 نوفمبر الماضي على قناة ‘الجزيرة’ جمعت بين المهنية الراقية والانسانية العالية حتى بدا لي انني اشاهد عملا سينمائيا فذا من طراز صعب التكرار.
في تغطيتها للشأن السوري قامت مذيعة الجزيرة الجميلة (التي لم أتيقن من اسمها للأسف) بلقاء ريما فليحان، كاتبة السيناريو التي سجّلت اسمها في تاريخ الانتفاضة السورية من خلال كتابتها وزملاء لها نداء يدعو لتوفير الغذاء والحليب لأطفال درعا المحاصرة بداية الثورة السورية فكان ان شنّ عليها شبيحة الفن الأشاوس حملة تخوين قاسية، وطاردوها في لقمة العيش، وصولا الى محاولة القبض عليها فاجتيازها الحدود هربا الى الأردن.
ردت فليحان على سؤال مذيعة الجزيرة حول مشاركة الأقليات والموضوع الطائفي في سورية رداً بليغاً وقالت انها قبل خروجها للأردن ذهبت الى حمص وشاهدت توحداً وطنياً ضد النظام، واشارت الى انها هي نفسها ابنة احدى الأقليات الدينية (من ابناء جبل العرب جنوب سورية وضواحي جرمانا واشرفية صحنايا في دمشق)، وهي في الآن نفسه عضو قيادي في احد اجهزة الثورة السورية.
أثناء اللقاء مع فليحان، وعلى نصف الشاشة الآخر، كنا نشاهد مظاهرات من منطقة وادي العرب في حمص، وانتقلت الكاميرا الى وجه شديد النقاء والقدرة على نقل تيار من الانسانية العالية والحزن الشفيف مع الارادة الصلبة، لنفاجأ بلقاء مباشر مع الممثلة فدوة سليمان، التي أكدت بوجودها في تلك التظاهرة تلك الوحدة الوطنية التي تحدثت عنها ريما، ورغبة الفرد في الالتحام بالجماهير (لأول مرة اقول هذه الجملة التي ابتذلتها ادبيات النضال الكلامي وأعنيها حقا). سألتها المذيعة اذا لم تكن خائفة على حياتها، فقالت لها ان كل الناس تخاف، لكن عندما يكون الخطر على الجميع فلا معنى ان تستثني نفسك ‘انا لست أحسن من غيري ولا غيري أحسن مني’. ارتعش جسدي وبلّلت دمعات قاسيات عينيّ.
استكملت ‘الجزيرة مباشر’ لاحقا المشهد فرأينا فدوة تقود المظاهرة وتنشد شعارات الثورة السورية العظيمة: ‘واحد واحد واحد الشعب السوري واحد’ و’الموت ولا المذلة’ و’اللي بيقتل شعبه خاين’.
الممثلة اللطيفة فدوة سليمان، بنظري، هي الممثلة الشرعية الحقيقية للمجاهد صالح العلي، والتجسيد الحقيقي للطائفة العلوية الشمّاء، التي لم يستطع النظام (رغم اربعين سنة من رشوتها بالامتيازات والمناصب الأمنية والعسكرية والسياسية مصحوبة بالقمع الكافر لمن يعارضونه منها) تأطيرها كلها في حربه الخاصة ضد مجموع الشعب السوري، وقد كسرت فدوة بوجهها وصوتها وروحها ارادة النظام الهمجية بقولبة الغرائز الطائفية لصالحه ولمعاداة كل من ينادي بسورية مدنية ديمقراطية. بابتسامتها الراقية وبهتافاتها مع أشقائها وشقيقاتها الحماصنة، تصنع فدوة تاريخا جديدا لسورية الوزن فيه لكلمة الحقّ ولو كانت صرخة امرأة واحدة فحسب، وهي، في حكم التاريخ، قادرة على هزيمة أعداد الشبيحة وعناصر المخابرات والمدرعات والصواريخ والاسلحة. وهذا يذكرني بتهكم ستالين على بابا الفاتيكان لأنه لا يملك فرق مدرعات والتي سخر منها التاريخ حين تهاوى الاتحاد السوفييتي ‘العظيم’ من الداخل ودون دبابة واحدة من دبابات البابا.
وأن يأتي الصوت من امرأة، فهو يعني انه آت من رحم الأمة وأصل الأشياء.
فدوة سليمان وريما فليحان: حنا معاكم للموت.
ابتهالات
‘دي بادرة لطيفة منك!’ تذكرت هذه النكتة الداخلية التي يعرفها موظفو صحيفة ‘القدس العربي’، ويتضاحكون عند ذكرها حين تابعت ردود الفعل على ما بثه التلفزيون الحكومي التونسي ‘الوطنية 1′ ليلة عيد الأضحى من ابتهالات كان ضمنها دعوات لزين الزعماء المخلوعين زين العابدين بن علي بأن يمنّ الله عليه بالبطانة الصالحة وبالتوفيق في مهامه كرئيس للبلاد!
تعاطفت مع المشاهدين الذين أحسّوا ب’مؤامرة’ ضدهم لتذكيرهم، بهذه الطريقة الفظة، بنزيل جدة الدكتاتور، وبمعلقات النفاق التي كان التلفزيون الوطني ينكبّ على بثها أثناء عهده، وبتلك الخلطة العربية المزعجة بين المناسبات الدينية ومديح المستبدين المصرين على اعتبار انفسهم خلفاء الله على الأرض، وكذلك بالفنانين الذين يمعنون في ذل النفاق امعانا مسفّا، ليس للحاكم المستبد فقط، بل لكلّ مستعدّ ليدفع فاتورة الأتعاب، ومن ذلك تلك الفضيحة التي اثارها احد فناني تونس الذي قام بتحيّة مربعة لنتنياهو في حفل لليهود المغاربة في اسرائيل وأثارت مطالبات بتجريده من الجنسية التونسية قبل عام او اكثر.
مع ذلك، وليعذرني المشاهدون، فانني على عكس ما ارادوا، اتمنى على ادارات تلفزيونات ما بعد التحرير، في تونس ومصر وليبيا (وقريبا اليمن وسورية وبقية الشلّة التعبانة ان شاء الله)، ان يقوموا من حين لآخر بحادثة مبرمجة مثل ابتهالات التونسي فوزي بن قمرة، ليتذكّر الناس ‘الهنا’ الذي كانوا يعيشون فيه، ويستذكروا تلك الأيام السوداء التي عاشوها عقوداً، ويشكروا الله على حسن حظهم انهم عاشوا في فترة الثورات هذه، وعليه اقول لمختار الرصاع مدير قناة ‘الوطنية 1’ التونسية كما قال الزميل جمال للزميل عيسى: ‘دي بادرة لطيفة منك!’
‘كاتب من أسرة ‘القدس العربي’