الخوف ليس فقط على الحريات
صحيفة “الأخبار”: ليال حداد
احذروا غضب الإنترنت: شاشات سوداء، ومدوّنون مستاؤون، وسيل من الشتائم المتناقلة عبر الشبكة العنكبوتية. هكذا بدا المشهد أمس بعد التحرّك الاحتجاجي الذي نظّمه عدد كبير من المواقع الإلكترونية اعتراضاً على قانونَي SOPA وPIPA المقترحَين على مجلسَي النواب والشيوخ الأميركيَّين. هذا الاحتجاج، الذي شغل وسائل الإعلام الغربية، لم يكن الأوّل من نوعه لكنّه حتماً عكس للمرة الأولى أهمية الإنترنت بصفته قطاعاً اقتصادياً مستقلّاً، رغم عمره القصير نسبياً.
«ويكيبيديا»، «مراسلون بلا حدود»، «هافنغتون بوست»، «وورد برس» … أكثر من سبعة آلاف موقع اتّشحت أمس بالسواد، معبّرةً عن معارضتها لقانون «يحدّ من حرية التعبير». لكنّ تأثير هذين القانونين يبدو أبعد من موضوع «الحرية»، و«الحق في تبادل المعلومات»، إذ إن أحد بنود SOPA يمنع على شركات الإعلانات التعامل مع المواقع التي ستتّهم بالقرصنة، وبالتالي فإن هذه الأخيرة ستفقد مدخولها الأساسي، وهو ما يهدّد استمراريتها. إذاً تبدو المعركة التي تخوضها أبرز المواقع الأميركية معركة وجودية، لكنّها حتماً ليست سهلة، فهي تواجه حيتان المال والنفوذ في الولايات المتحدة، كالشركات المنتجة في هوليوود التي كانت من أبرز الداعمين لهذين القانونين.
وإن كانت نتيجة هذه المواجهة حتى الساعة ضبابية في ظلّ المواقف السياسية المتباينة من الموضوع (فتّش عن المصالح الانتخابية للجمهوريين والديموقراطيين)، فإن العودة إلى عام 1996 قد تبدو ضرورية في الوقت الحالي. في الأول من شباط (فبراير) 1996، توقّفت عشرات المواقع الإلكترونية لمدة 48 ساعة عن العمل احتجاجاً على توقيع «قانون الآداب في وسائل الاتصال Communications Decency Act» الذي كان يهدف إلى فرض رقابة على المواقع المصنّفة «مؤذية للأطفال» (كالمواقع الإباحية). ورغم كل التحركات الاحتجاجية، لم يسقط هذا القانون إلا بقرار قضائي صدر بعد عام. لكن يومها لم تكن الشبكة العنبكوتية تملك التأثير نفسه الذي تملكه اليوم. مثلاً، كان يكفي اليوم أن يتوقّف «ويكيبيديا» عن العمل حتى يصاب طلاب المدارس والجامعات بحالة من الهلع! الموقع الشهير الذي يزوره ملايين المتصفّحين يومياً رفع «لواء المعرفة المجانية» في نضاله ضدّ القانون. لكن يبدو أن ذلك لم يعجب مجموعة من العاملين فيه. هؤلاء عبّروا عن خوفهم من أن يفسّر هذا الاحتجاج كدفاع عن القرصنة، إلا أن ذلك لم يثن إدارة «ويكيبيديا» عن مواصلة إضرابها.
وفي وقت تعذّر فيه الوصول إلى النسخة الإنكليزية من الموسوعة الإلكترونية الأشهر في العالم، اكتشف متصفّحو الإنترنت وجود مجموعة كبيرة من المواقع الشبيهة التي لم تكن تحظى بأي شهرة تذكر قبل اليوم مثل Scholarpedia، وEncyclopedia، وCitizendium. أما موقع صحيفة «غارديان» البريطانية فوجد حلاً مبتكراً يعوّض غياب «ويكيبيديا» وهو تخصيص صفحة بعنوان «غارديبيديا» لتلقي أسئلة القراء حول أي معلومة يريدون أن يعرفوها. أما الناشطون الأكثر إدماناًَ على متابعة هذه الموسوعة، فقد وجدوا أكثر من طريقة تقنية تخوّلهم ولوج الموقع، ونشروها على تويتر وفايسبوك.
وفي ظلّ كل هذه المحاولات «للخروج أحياء من هذا اليوم من دون ويكيبيديا»، قدّم أحد الناشطين على تويتر حلاً مثالياً «قد يغنيكم عن هذه الموسوعة إلى الأبد … اذهبوا إلى المكتبة، هل تذكرونها؟»