في ظل وسائل نقل يسهل خرقها
كيف يحمي الصحافي المعلومة ومصدرها؟
صحيفة “السفير” عن «نيويورك تايمز»
ترجمة جنان جمعاوي
عندما تضيّق على صحافي، أقله صحافي يحترم نفسه، قد يسرد لك تفاصيل دارت في الكواليس لم ينشرها في تقريره، قد يُساق إلى المحكمة، ويرفض قرارات القضاء، قد يواجه السجن ويسجن بالفعل.. ولكنه لن يكشف مصدره أو مصادره… أليس ذلك واجبه الأخلاقي الأرفع مرتبةً؟
لكن ذلك كان في زمن ما قبل التنصّت على المواطنين وخصوصاً الصحافيين، كان ذلك في زمن ما قبل المداهمات «والقبض» على الحواسيب. في هذا الزمن، يصبح أمن المصادر السرية لا يعتمد على أخلاقيات الصحافي فحسب، ولكن أيضاً على مهاراته الإلكترونية.
وما يزيد الطين بلة، هو أن غالبية كليات الإعلام لا تدرّس طلابها تقنيات أمن الحاسوب. كما أن العديد من المؤسسات الصحافية والإعلامية لا تزال تفتقر إلى تطبيقات حماية المعلــومة وأصــحابها، بمعنى أن «المعلومة السرية تُرسل عبر خطوط الهواتف العادية أو عبر رسائل نصية أو رسائل إلكترونية. وهذه جميعها وسائل يسهل خرقها. وقلة من الصحافيين يستخدمون وسائل الاتصال الآمنة، حتى تلك التي يسهل الحصول عليها واستخدامها.
وقال الباحث في «مؤسسات المجتمع المفتوح» المعنية بشؤون السرية والمراقبة الحكومية كريستوفر سوغويان، وهو مرشح لنيل الدكـتوراه في أمن المعلومات من جامعة «انديانا» الأمـيركية إن المسؤولين الحكوميين غالباً ما يحاولون حمل الصحافيين على كشف مــصادرهم، عبر استدعائهم إلى المحاكم وإصـدار أوامر بالكـشف عن تسجيلاتهم، وهي أمور قـد لا تكـون ضـرورية في كثير من الأحيان، بما أنه بالمستطاع كشف المصادر عبر الاتصالات غير الآمنة. ناهيك عن أن هناك سرا شائعا مفاده أن الحكومات تقوم بالتنصت سراً على مكالمات الصحافيين واتصالاتهم.
وروى سوغويان أنه من بين مئات الصحافيين الذين قابلهم، بإمكانه بصعوبة تسمية صحافيين بعدد أصابع اليدين أو أقل ممن يستخدمون نوعاً من وسائل الاتصالات «المقاومة للخرق».
ومن بين «الأخطاء» التي عددها الباحث والتي يقع فيها الصحافيون، استخدام موقع «سكايب» الذي يعدّ أكثر أمناً من الهواتف العادية، ولكنه «ليس عصيا على المتطفلين الذين يعلمون من أين يشترون برنامجاً مخصصاً للتنصت على مكالمات «سكايب» تحديداً».
لا يتحدث سوغويان من فراغ. ففي الشهر الماضي أقر وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان بأن وكالات الاستخبارات حصلت على لوائح مفصلة لاتصالات قام بها صحافي في «لوموند»، ما مكّنهم من الكشف عن الشخص الذي كشف معلومات حساسة تتعلق بتحقيق قضائي حول وريثة لوريال ليليان بيتانكور وعلاقتها بتمويل حملة نيكولا ساركوزي. وأضاف الخبير أن الجدل تمحور حول سوء استخدام الحكومة لسلطاتها، لكن أحداً لم يتحدث عن المسؤولية التي تقع على الصحافيين في استخدام وسائل اتصال أكثر أمناً.
لا يعني ذلك تحميل الصحافيين كامل المسؤولية عن افتقارهم لمهارات أمن المعلومات. ففي نهاية المطاف هم صحافيون وليسوا طرفاً في لعبة «جاسوس مقابل جاسوس». لكن ثمة مسؤولية تقع على عاتق الجامعات التي لا تعلّم مثل هذه المهارات، وعلى المؤسسات الصحافية التي لا تستثمر في التدريب موضوع أمن المعلومة.
وقال سوغويان إن الصحيفة التي تنشر مقاله هذا، أي «نيويورك تايمز» الأميركية ليست مستثناة من انتقاداته. ففي حزيران 2010، ناقش رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة آنذاك بيل كيللر والمحرر في صحيفة «الغارديان» البريطانية ألان روسبريدجر ما قرآه في تسريبات «ويكيليكس» التي حصلا عليها حصرياً، عبر الهاتف العادي، كما أقر كيللر.
وقد يبدو ذلك مستغربا من صحيفة مثل «نيويورك تايمز» التي سبق لها أن فجّرت فضائح، فقط لاعتمادها على جواسيس لديهم معلومات استخباراتية سرية.
بناء على كل ذلك، وإذا كانت سمة الصحافة الحقة هي القدرة على حماية المصادر السرية، فإن «ويكيليكس» هو درة الصحافة، لأنه موقع يستخدم الرسائل الآنية «المشفّرة» وذلك خلال الاتصالات في وقت حدوثها، كما يستخدم تقنيات تشفير قوية لحماية ملفاته لحظة تمريرها بين العاملين في الموقع، كما أن خوادمه (servers) مخبأة وتستخدم «تور بروجيكت» وهو أداة لحماية الاتصالات السرية.
وإلى أن يأخذ الصحافيون واجباتهم الأمنية على محمل الجد، سيكون «أكثر أمناً، تسريب المعلومة إلى «ويكيليكس» أو مواقع مماثلة، بدلاً من تسريبها إلى أي من صحف الإعلام السائد».