صحافيو مصر: أول براعم الديمقراطية
الأخبار: محمد عبد الرحمن
«سجّل… بسرعة… سجّل… بسرعة» هتاف غير متوقع لم ترفعه أي تظاهرة مصرية من قبل. إلا أنّ نقابة الصحافيين المصريين انفردت به، ظهر أمس، خلال أول انتخابات تُجرى بعد «ثورة 25 يناير».
الهتاف انطلق قبل دقائق من إغلاق باب التسجيل في الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين. ينص القانون على وجوب أن يوقّع نصف الصحافيين على الأقل على دفاتر الحضور قبل فتح صناديق الاقتراع. وجاء الهتاف لتشجيع الصحافيين المتلكئين على الوصول إلى مكاتب التسجيل حتى لا يفسد هذا العرس الصحافي. كل هذا وسط انتقادات طاولت حالة الخمول التي أصابت مئات الصحافيين. وما كانت الأزمة لتبلغ ذروتها لو حضر الصحافيّون مبكراً، فالمطلوب أن يكون حاضراً في النقابة قبل الثانية ظهراً ثلاثة آلاف صحافي تقريباً. عدم بلوغ هذا الرقم يدفع إلى التساؤل عن سر عدم اهتمام آلاف الصحافيين بنقابتهم وبتقديم صورة حسنة أمام الرأي العام والشارع الذي ثار على النظام الفاسد مطلع هذا العام، بينما نقابة قادة الرأي لا تزال تعاني غياب أبنائها واتكالهم على زملائهم المتحمسين. وهؤلاء اعتصموا في الطبقة الثالثة للمطالبة باستمرار فتح باب التسجيل للسماح للزملاء الموجودين فعلاً داخل حرم النقابة بالتوقيع وعدم الانتظار حتى انتخابات الإعادة التي تتطلب وجود ربع عدد الأعضاء فقط. وهو ما حدث بالفعل حتى اكتمل النصاب القانوني وفُتحت الصناديق للاقتراع حتى السابعة مساءً، فيما جاءت النتائج بحلول منتصف الليل لتعلن فوز ممدوح الولي المحسوب على «الإخوان المسلمين»…
أوّل امتحانات الديموقراطيّة إذاً، وأوّل انتخابات حرّة في مصر بعد «٢٥ يناير»، توّجت بفوز الإسلاميين… عدا ذلك، كان لافتاً غياب الوجود الأمني المعتاد عن الرصيف المقابل لمقرّ النقابة في وسط القاهرة، باستثناء انتشار عدد محدود من رجال الشرطة. لكن هذا لا شيء، مقارنةً بما كان يجري في الانتخابات السابقة، حين كان عناصر الأمن يحتلون الرصيف بالكامل لتأكيد وجود نظام مبارك بقوة. هذه المرّة، غاب عدد كبير من الوجوه المحسوبة على النظام البائد، والكثر من ذوي التأثير القوي في الانتخابات السابقة. بين هؤلاء نذكر القادة السابقين للمؤسسات القومية، سواء من الجيل الأقدم مثل إبراهيم نافع وسمير رجب، أو الجيل الذي أطاحته الثورة ودعمَ النقيب المنتهية ولايته مكرم محمد أحمد. هذا الأخير الذي كان مقرّباً من مبارك، حضر متأخّراً ولم يثر الاهتمام الذي اعتاده أيّام زمان، إذ سرق منه الوهج المرشح الرئاسي حمدين صباحي.
لقد خطف حمدين الأضواء من باقي الشخصيات البارزة، ودعم بقوة مرشح «تيّار الاستقلال» يحيى قلاش (التيار اليساري الناصري). وكان قلاش يتصدر سباق المرشحين الثلاثة الآخرين لمنصب النقيب، ممدوح الولي، سيد الإسكندراني ومحمد مغربي، مستنداً إلى دعم واسع من الصحافيين الشباب والمخضرمين. من أبرز هؤلاء الكاتب والأديب جمال الغيطاني الذي أجرى اتصالاً هاتفياً ببرنامج «العاشرة مساء» (قناة «دريم») عشيّة الانتخابات، ليؤكد أنّ قلاش بات مرتبطاً بالنقابة. حتى إنّه ـــــ أي الغيطاني ـــــ رأى «تشابهاً بين ملامح قلاش وملامح مبنى النقابة!». لكن ممدوح الولي خلق المفاجأة في نهاية السباق، وفاز بفارق ٣٠٠ صوت (١٧١٦ للولي، مقابل ١٤٠٦ أصوات لقلاش).
وكان الولي قد حلّ ضيفاً على برنامج «العاشرة مساء» المشار إليه أعلاه، مثل منافسه، إنما كل على حدة. وقد أكّد الولي مجدداً خلال البرنامج، عدم انتمائه رسميّاً إلى جماعة الإخوان المسلمين، مع أنّ موقع الجماعة نشر برنامجه الانتخابي. فيما استغرب قلاش إصرار المرشّحين الخمسة لعضويّة مجلس النقابة، على عدم الخلط بين ولائهم للجماعة، وانتمائهم إلى المهنة، في حين أنّ مكتب إرشاد الجماعة هو الذي أعلن ترشيحهم. تلك القضية الخلافية شغلت الصحافيين طوال أيام الحملة الانتخابية حتى مساء أمس. وتعالت الأصوات الداعية إلى ضرورة تأليف مجلس نقابة يمثل الصحافيين، ويكون متماسكاً على المستوى السياسي، لحماية الملفات المهمّة من التجاذبات التي عرقلت عمل المجالس السابقة.
وبلغ عدد المرشّحين لعضوية مجلس النقابة ١٠٢ صحافي تنافسوا على ١٢ مقعداً. ونصّ القانون على أن يكون ستة من أعضاء المجلس لم يمرّ على عضويتهم في النقابة أكثر من 15 عاماً، بهدف ضمان وجود الشباب في قيادة النقابة التي ستعالج الكثير من الملفات المهمّة سياسياً ومالياً. علماً بأن المعركة الحقيقيّة اليوم تدور حول ضمان استقلالية المهنة التي عانت طويلاً من تسلّط نظام حسني مبارك، وحول تطهير هذه المؤسسة المرجعيّة من العناصر التي أساءت إليها، وأفقدت الصحافة المطبوعة ثقة القرّاء. كلّ ذلك انعكس سلباً، كما هو معروف، على توزيع الصحف الحكومية التي يُفترض أن تكون مملوكة للشعب، وتحقق أرباحاً ومكاسب بدلاً من إهدار المال العام.