محمد الخضيري
جريدة الأخبار
الرباط | رغم أن العقد الأخير شهد توسيعاً ملحوظاً لهامش الحرية الإعلامية في المغرب، إلا أن السنتين الأخيرتين نسفتا كل الجهود التي بذلت في هذا الإطار. منذ تولّي الملك محمد السادس الحكم، صدرت في المملكة مجموعة من القرارات التي جعلت المغرب متقدّماً على باقي الدول المجاورة. هكذا صدرت بعض الصحف المستقلّة، واستحدُثت «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري»، وتمّ تحرير قطاع الإذاعة والتلفزيون.
لكن الوضع تغيّر منذ عامين، فتوالت عمليات إقفال الصحف، ومحاكمة الصحافيين، إضافة إلى التضييق المستمرّ على وسائل الإعلام «المشاغبة». لكن في وجه هذا الضغط الحكومي، وجد المغربيون مخارج عدة وخصوصاً مع انطلاق الثورة التونسية. هكذا ازدهرت المواقع الإلكترونية، فترسخت تجارب قديمة كموقع «هسبريس»، ونشأت مواقع أخرى واكبت التحرّك الشبابي المعارض في المغرب، منها موقعا «كود»، و«لكم». وقد تحوّل هذان الأخيران إلى مرجع إعلامي يواكب نشاط «حركة 20 فبراير».
وفي ظل هذا الضغط الإعلامي، حصل استفتاء على تعديل الدستور. وحرّك هذا الاستفتاء ملفاً قديماً ـــــ جديداً يتعلّق بـ«المجلس الأعلى للصحافة»، إذ نصّ التعديل في الفصل 28 على «تنظيم قطاع الصحافة، بطريقة مستقلة، وعلى أسس ديموقراطية». هذا التغيير قلب النقاش الإعلامي في المغرب الذي كانت تحتكره وزارة الاتصال فقط. إذ كانت الوزارة تلمّح إلى إنشاء مجلس تسيطر عليه. إلا أن التعديل الدستوري فتح نقاشاً بين «فيدرالية الناشرين المغاربة»، ونقابة الصحافيين لتأسيس مجلس مستقل. ويقول رئيس الفيدرالية نور الدين مفتاح، لـ«الأخبار» إن «المجلس الجديد سيكون فرصة لتحسين ظروف عمل الصحافيين وأوضاعهم المهنية».
أما المؤسسات الصحافية فوجدت نفسها هي الأخرى أمام إعصار الحراك الاجتماعي. جريدة «أخبار اليوم»، التي سبق لها أن حوكمت أكثر من مرة، انحازت في البداية إلى تحرّك «20 فبراير» ونقلت أخباره، قبل أن تتراجع عن مواقفها! فيما وجهت «المساء» ـــــ أكثر الصحف مبيعاً في المملكة ـــــ نقداً حاداً في البداية للشباب المحتجين في الشارع، ووصفتهم بـ«عملاء البوليساريو». إلا أن الصحيفة خففت لاحقاً من حدة هجومها، ونقلت بـ«أمانة» أخبار التظاهرات، وهو ما يعدّ تحولاً في خطها التحريري العام. وهنا يشار إلى أن «المساء» لم تسلم من التحولات التي يعرفها المغرب. مع انطلاق التحركات الشعبية، شكّك رئيس تحرير الصحيفة رشيد نيني في رواية أجهزة الاستخبارات بشأن الحادث الإرهابي الذي وقع في مراكش، ثم اعتُقل نيني وحُكم عليه بالسجن لمدة سنة. لم يشفع للصحافي المثير للجدل، وأشهر كتّاب أعمدة الرأي، حملات التضامن معه، ولم يصدر أي عفو عنه. كذلك الأمر بالنسبة إلى أسبوعية «المشعل» التي نشرت أسماء مسؤولين تربطهم علاقة مباشرة مع «حزب الأصالة والمعاصرة». إلا أن أخطاء مهنية في الملف أدّت إلى ملاحقة الصحيفة ومدير تحريرها قضائياً.
وعلى جبهة الإعلام المرئي، لم يختلف الوضع كثيراً. لكن هنا، لا بد من التنويه بأن القناتين الرسميتين «الأولى»، و«الثانية» فتحتا شاشتيهما لناشطين من «20 فبراير»، ولبعض المعارضين. هكذا استمعنا إلى نائب رئيسة «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» عبد الحميد أمين، وهو يدعو إلى إلغاء تقبيل يد الملك من البروتوكول الملكي. كما طلب شباب «20 فبراير» مباشرة على الهواء الرسمي من المواطنين النزول إلى الشارع من أجل الاحتجاج… لكن هذا الانفتاح سرعان ما تقلص لتعود التلفزة الرسمية إلى أوضاعها السابقة.
نقابات القنوات الحكومية، بدورها، تحركت بقوة في الأشهر الأخيرة، ولم تطالب فقط بتحسين أوضاعها المادية والمعنوية داخل «الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة»، بل أيضاً بتحسين جودة البرامج، وبتوسيع هامش الحرية داخل هذه القنوات، وبطرد بعض المسؤولين الذين ينتمون «إلى حقبة بائدة من تاريخ الإعلام المرئي في المغرب». آخر هذه التحركات خرج من رحم «وكالة المغرب العربي للأنباء» وهي وكالة الأنباء الرسمية، فأضرب العاملون فيها ورفعوا الشعارات المطالبة بإجراء تغييرات إدارية.